مقالات وأراء

” أنا وماجي” – من ذكرياتي

شروق كمال

 

في طفولتي كرهتُ الموت، وكنتُ قد تعرفتُ على أعراضه مبكرًا، وأدركت أنه لا علاج للغياب الذي يسببه إلا

بالتسليم لحضوره الطاغي ، وأنّ وجعه لا يقل بالوقت “كما يقولون” ولكنه فقط يتوقف عن الزيادة ، كأرجوحة

تعطلت عند أعلى ارتفاع لها. يبقى ظل الموت كامنًا في الظلام كلصٍ محترف؛ يسرق الفرحة دون أن يترك بصماته

.. وكأن الموت هو الجريمة الكاملة في حق الأحياء!

وبعد تفكير قررتُ أن أشتري سلحفاة 🐢 ، حتما لن ترحل مبكرًا كما فعل أبواي، سأحبها وأنا لا أخشى ألم

الفراق ولا وجع الغياب.. أليست مخلوقات معمرة! لم أحب بطء حركتها ولا تجاعيد رقبتها ولكني أحببتُ

اطمئناني لوجودها وسلامي الداخلي في بقائها ، وأسميتها ماجي. كانت ماجي تسمح لي بأن أربت على

رأسها بأطراف أصابعي دون أن تهرب إلى صدفتها ، وأصافح يدها بكفٍ حذِر،وأسيرُ وراءها على أربع أراقبُ تسارع حركتها تارة وتوقفها في منتصف السعي

لتتأمل ما حولها تارة أخرى، هذا التوقف الذي كان يطول لبعض الوقت فيركلني الملل حتى أتركها وأمضي لشأني.

واختفت ماجي ذات شتاء. ظللتُ أضع لها الأكل كل يوم ثم أعود وأبدل القديم وأغيّر لها المياه لكنها لا تظهر!

وأقنعتُ نفسي بأنّ اختفاءها قد لا يعدو كونه بياتًا شتويًا أحسدها عليه بينما عليّ أنا أن أستيقظ للذهاب للجامعة

في البرد الصباحي اللاذع. ولمّا طال الغياب بحثتُ عنها في أنحاء المنزل حتى وجدتُ صدفتها أسفل الخزانة،

واضطررتُ أن أزحف على بطني لإخراجها. تأملتها طويلًا ومسحتُ على صدفتها بحنان ثم أعطيتها لمربيتي لتدفنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
مرحباً بكم في الإخبارية العربية هل ترغب في تلقي إشعارات بآخر الأخبار؟ لا نعم